نوبة الحجاز المشرقي وميزان الدَّرَج في صنعة الطرب الأندلسي: دراسة تحليلية في ضوء صنعة قمر تكامل وتدقيق التدوين الموسيقي
يُعتبر الطرب الأندلسي والموسيقى الآلية المغربية تراثاً فنياً حياً، يحمل في طياته روحيةً تاريخيةً وفلسفةً جماليةً تجسّدت عبر قرون من التلاقح الحضاري بين الأندلس والمغرب العربي. وتأتي النوبات كواحدة من أرقى التعبيرات الموسيقية التي حفظت هذا الإرث، حيث تُشكّل كل نوبة عالماً قائماً بذاته، يجمع بين الشعر والإيقاع واللحن في نسقٍ متناغم. ومن بين هذه النوبات، تبرز نوبة الحجاز المشرقي بوصفها نموذجاً استثنائياً لثرائها العاطفي وتعقيدها البنيوي، لا سيما في استخدام ميزان الدَّرَج داخل صنعة (أو "الصنعة") التي تُعدُّ إحدى الركائز الأساسية في الأداء.
تهدف هذه الدراسة إلى تتبع جذور النوبات الأندلسية، مع التركيز على نوبة الحجاز المشرقي، وتحليل ميزان الدَّرَج في ضوء الأبيات الشعرية المذكورة، مُستعينةً بالتدوين الموسيقي الحديث الذي يوفره موقع نوتة سيبيلوس كأداةٍ جوهريّة لفهم هذه الصنعة وتقريبها من العازفين المبتدئين والمحترفين.
الفصل الأول: النوبات الأندلسية - النشأة والتطور
1.1 الأصول التاريخية للنوبات
تعود جذور النوبات إلى القرن التاسع الميلادي في الأندلس، حيث تطوّرت كشكلٍ موسيقي-شعري ارتبط بالحياة البلاطية والاحتفالات الدينية. وقد أُسست على يد مفكرين مثل زرياب، الذي أدخل نظام المقامات والإيقاعات المتنوعة، مُشكّلاً بذلك أساساً للمدرسة الأندلسية. بعد سقوط الأندلس، انتقلت هذه الموسيقى إلى المغرب العربي، واحتفظت بها مدن مثل فاس وتلمسان وتونس كجزءٍ من هويتها الثقافية.
1.2 البنية الكلاسيكية للنوبة
تتألف النوبة التقليدية من خمسة أقسام رئيسية (مُوال، بصايْ، درج، تّفْسيل، وانطراح)، يُعبّر كل قسم عن حالة وجدانية مختلفة عبر تناوب المقامات والإيقاعات. وتُعتبر الصنعة (أو الصنائع) جزءاً حيوياً في قسم الدَّرَج، حيث تُقدّم الأبيات الشعرية بلحنٍ مركب يعتمد على الزخارف اللحنية (التحميلة) والإيقاعات المتغيرة.
الفصل الثاني: نوبة الحجاز المشرقي - الخصائص والرمزية
2.1 الحجاز المشرقي: مقامٌ بين الشرق والمغرب
ينتمي مقام الحجاز المشرقي إلى عائلة مقامات الحجاز، لكنه يتميز بانزياحات صوتية تُضفي عليه طابعاً شرقياً، كاستخدام الربع تون (الكومة) بين الدرجات الثانية والثالثة. هذا الانزياح يخلق جوّاً من الحنين والروحانية، مما يجعل النوبة مناسبةً لقصائد الغزل والتصوف.
2.2 الدور العاطفي للصنعة في النوبة
في نوبة الحجاز المشرقي، تُستخدم الصنعة كجسرٍ بين الإيقاع الثابت للدَّرَج والزخارف الحرة في قسم التفسيل. هنا يأتي دور ميزان الدَّرَج، وهو إطار إيقاعي يُحدد سرعة الأداء ودرجة التعقيد اللحني، مما يسمح للعازف بالتعبير عن النص الشعري دون الخروج عن النسق العام.
الفصل الثالث: تحليل الأبيات الشعرية في سياق الصنعة
3.1 النص الشعري كمرآة للبنية الموسيقية
الأبيات المختارة تنتمي إلى قصيدة غزلية تمدح جمال المحبوب، مستخدمةً صوراً كونية (القمر، الشمس، البدْر) لترمز إلى الكمال الإلهي. هذه الصور تُترجم موسيقياً عبر تقاطيع لحنية مرتفعة (كالنغمات الحادة في "تكامل") ومنخفضة (كالنغمات الغليظة في "تغرب")، مما يعكس التضاد بين النور والظل في المقام.
3.2 تفكيك الأبيات وإسقاطاتها اللحنية
- البيت الأول:
> قَمَرٌ تَكَامَلَ فِي نِهَايَةِ سَعْدِهِ... يَحْكِي القَضِيبَ عَلَى رَشَاقَةِ قَدِّهِ
هنا يُشبّه الشاعر محبوبَه بالقمر في كماله، وهو ما يُعبّر عنه موسيقياً بسلمٍ صاعد (درج) يصل إلى ذروته عند كلمة "سعده"، ثم ينزل تدريجياً مُحاكياً انحناء القضيب.
- البيت الثاني:
> البَدْرُ يَطْلُعُ مِنْ ضِيَّا جَبِينِه... وَالشَّمْسُ تغرُبُ فِي شَقَائِقِ خَدِّهِ
التضاد بين "طلوع البدر" و"غروب الشمس" يترجم إيقاعياً بتفاعل بين إيقاع مُرسَل (حُر) في العود وإيقاع مُحَدَّد (مقيّد) في الإيقاع، مما يعكس التناغم بين العناصر المتعارضة.
- البيت الرابع:
> وَمُهَفْهَفٍ قَالَ الإلَهُ لِحُسْنِهِ... كُنْ فِتْنَةً لِلعاشِقِينَ فَكَانَا
كلمة "مهفهف" (الناعم الرشيق) تؤدى بزخارف سريعة على الكمان أو الكمنجة، تُبرز خفة الروح، بينما عبارة "كن فتنة" تُغنى بنبرةٍ حازمة تُذكّر بالنغمات القاطعة في مقام الراست.
الفصل الرابع: دور التدوين الموسيقي في حفظ الصنعة
4.1 موقع نوتة سيبيلوس: جسرٌ بين التراث والحداثة
يوفر الموقع تدويناً دقيقاً للنوبات باستخدام برنامج سيبيلوس، الذي يُسهّل قراءة الإيقاعات المركبة (كالإيقاع السماعي الثقيل) والانزياحات المقامية (كالنغمات الربعية). هذا التدوين ضروري للمبتدئين لفهم البنية، وللمحترفين كمرجعٍ في الارتجال.
4.2 نماذج من تدوين ميزان الدَّرَج
- الإيقاع: يُكتب إيقاع الدَّرَج عادةً على ميزان ٨/٦، مع تحديد السرعة (مثل = 80) لضبط الإيقاع.
- الزخارف: تُدوَّن التحويلات اللحنية (كالنهوندات في البيان) برموزٍ خاصةٍ تُظهر التموجات الدقيقة.
- التقسيمات: يفصل الموقع بين أجزاء الصنعة (المقدمة، الأبيات، الخاتمة) بوضوح، مما يساعد في التركيز على كل مقطع.
تُعد نوبة الحجاز المشرقي نموذجاً لفلسفة التوازن في الموسيقى الأندلسية، حيث تلتقي الصورة الشعرية بالبناء الإيقاعي في تناغمٍ يُحيي روح الأندلس. ومن خلال التدقيق في التدوين الحديث، يصبح هذا التراث في متناول الأجيال الجديدة، حافظاً على أصالته دون جمود.
الكلمات المفتاحية
- النوبات الأندلسية
- نوبة الحجاز المشرقي
- ميزان الدَّرَج
- صنعة الطرب الأندلسي
- تدوين موسيقى الآلة
- موقع نوتة سيبيلوس
- تحليل المقامات
- الزخارف اللحنية
- الإيقاع السماعي
- التراث الموسيقي المغربي
أنقر هنا و اختر الصيغة المناسبة لك
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
MID | MXL | MSCZ |